ابن الذوات الأرستقراطي
الفنان جميل راتب.. صاحب شخصية البهظ بيه في “الكيف”
كتب/خطاب معوض خطاب
الفنان المصري جميل راتب الذي يوافق اليوم الخميس 19 سبتمبر 2024 ذكرى وفاته الرابعة حيث توفي في يوم 19 سبتمبر 2018، يعد واحدا من الفنانين الموهوبين المبدعين الذين كانوا يذوبون داخل الشخصية التي يجسدونها ويتوحدون معها وتشعر حين تراهم أنهم ليسوا بممثلين، بل تشعر وكأنهم شخصيات حية تتحرك أمامك، فمن منا ينسى أدواره المتعددة الخالدة في السينما والتليفزيون والتي جسدها بتفرد وبراعة تجعل من المستحيل أن نتخيل أو نتصور أحدا غيره يقوم بأدائها وتجسيدها على الشاشتين الكبيرة والصغيرة، حيث برع في تجسيد الشخصيات الكوميدية والجادة الطيبة والشريرة في السينما والتليفزيون والمسرح، وبرحيله ترك فراغا هائلا لا يستطيع أن يملأه أي فنان آخر.
والمؤكد أن شخصية البهظ بيه التي جسدها الفنان جميل راتب في فيلم “الكيف” تعد واحدة من أهم وأشهر الشخصيات التي تم تجسيدها على شاشة السينما المصرية وعلقت في أذهان المشاهدين رغم مرور سنوات عديدة على إنتاج الفيلم، ولعل الكثيرين تعجبوا من تجسيده لها حتى هو نفسه كان رافضا لذلك الترشيح في البداية لعدم اقتناعه بدوره فيه، ولذلك أبدى دهشته من ترشيحه لتجسيد تلك الشخصية، وتردد كثيرا قبل أن يعلن موافقته على الاشتراك فيه، وذلك لابتعاد الشخصية كثيرا عن شخصيته، إذ كيف ينطق ذلك الفنان المثقف الراقي تلك الكلمات العامية السوقية التي لم يسمع بها من قبل وكان يقولها البهظ بيه تاجر المخدرات، وتعجب وقتها من اختيار المخرج والمؤلف له، لكنه وافق في النهاية على الدور، وفوجيء وقتها بالنجاح الساحق للفيلم ولشخصية البهظ بيه التي نال عن تجسيده لها عددا من الجوائز، والحقيقة أنه أصبح من المستحيل أن نتخيل أحدا غيره يقوم بتجسيد تلك الشخصية.
والفنان جميل راتب ولد في يوم 28 نوفمبر سنة 1926، وهو ينتمي إلى أسرة أرستقراطية فجده الكبير محمد راتب باشا كان موظفا كبيرا أيام محمد علي باشا، ووالده أبو بكر راتب كان رجلا مصريا وطنيا حيث حرص على إلحاق ابنه بمدارس مصرية وطنية على غير عادة أبناء الذوات الذين كانوا يلحقون أبناءهم بمدارس أجنبية، وكانت والدته أيضا مصرية الأصل من محافظة المنيا وهي السيدة نائلة بنت عمر باشا سلطان شقيق السيدة هدى شعراوي وليست فرنسية الأصل كما يشاع عنها على سبيل الخطأ.
وقد تلقى تعليمه في البداية بالقاهرة ثم التحق بمدرسة الحقوق الفرنسية، حيث كانت أسرته ترغب في أن يصبح وزيرا أو أن يعمل بالسلك الدبلوماسي، وسافر لاستكمال دراسته بفرنسا ولكنه ترك مدرسة الحقوق ودرس التمثيل، وبسبب ذلك امتنعت أسرته عن إرسال أي أموال له، فعمل جارسون وشيالا في سوق الخضار وكومبارسا في السينما ومترجما ومساعد مخرج لكي يستطيع الإنفاق على نفسه ويكمل دراسته للسينما، وقد تزوج الفنان جميل راتب من فتاة فرنسية كانت تعمل بالتمثيل ثم اعتزلته وعملت مديرة إنتاج ووصلت إلى منصب مدير مسرح الشانزليزيه ولم ينجبا أطفالا.
وبدأت رحلته مع السينما من القاهرة حيث شارك سنة 1946 في فيلم “أنا الشرق” الذي قام ببطولته كل من الممثلة وملكة الجمال الفرنسية كلود جودار وجورج أبيض وحسين رياض، وبعد ذلك سافر إلى فرنسا حيث درس المسرح وعمل بفرقة الكوميدي فرانسيز، وشارك في بطولة عدد كبير من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات العالمية في كل من فرنسا التي عاش بها ما يقرب من 30 سنة وبلجيكا وتونس، ومن أشهر الأفلام العالمية التي شارك في بطولتها الفنان جميل راتب فيلم “ترابيز” مع كل من بيرت لانكستر وتوني كيرتس وجينا لولو بريجيدا، وفيلم “لورانس العرب” مع كل من بيتر أوتول وأنطوني كوين وعمر الشريف، بالإضافة إلى الفيلم الكندي التونسي “Chwkmate” الذي شاركت في بطولته الفنانة المصرية شريهان، والفيلم الفرنسي التونسي “صيف حلق الوادي”.
والجدير بالذكر أنه شارك في عدد كبير من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات بعد عودته إلى مصر، ويعد فيلم “الصعود إلى الهاوية” واحدا من أشهر أعماله السينمائية ونقطة التحول في حياته الفنية بمصر، وحصل عن دوره فيه على جائزة أفضل دور ثاني وسلمها له الرئيس السادات، وقد جسد عددا من الشخصيات التي لا تنسى، من أشهرها شخصية الوزير لطفي الخيال في “طيور الظلام”، واللواء محمد نجيب في “جمال عبد الناصر”، ورجل الأعمال منصور السيوفي في “الأولة في الغرام”، وأفندينا في “شفيقة ومتولي”، وأدمون رجل المخابرات الإسرائيلي في “الصعود إلى الهاوية”، بالإضافة إلى باقي أعماله السينمائية المتميزة ومن أشهرها “ولا عزاء للسيدات” و”خائفة من شيء ما” و”شعبان تحت الصفر” و”دندش” و”قاهر الزمن” و”العرافة” و”وحوش الميناء” و”كيدهن عظيم” و”الوداع يا بونابرت” و”البريء” و”قاهر الزمن” و”البداية” و”عفاريت الأسفلت” و”رحلة حب” و”الساحر”.
ولعل شخصية السفير الدكتور مفيد أبو الغار التي جسدها في مسلسل “الراية البيضا” تعد من أهم وأفضل الشخصيات التي جسدها على الشاشة الصغيرة، حيث شعر من يشاهدونه أنهم بالفعل أمام الدبلوماسي السابق الدكتور مفيد أبو الغار وليسوا أمام الفنان جميل راتب، هذا بالإضافة إلى شخصية إبليس التي جسدها في “الكعبة المشرفة”، ورشوان بيه في “أحلام الفتى الطائر”، ورجل الأعمال لطفي بيه في “رحلة المليون” و”سنبل بعد المليون” وأبو الفضل في “يوميات ونيس”، والخواجة جيوفاني ديكورينزي في “زيزينيا”، وريتشارد في “فارس بلا جواد”، بالإضافة إلى الشخصيات التي جسدها في عدد من المسلسلات على مدى سنوات طويلة ومنها “نجم الموسم” و”صيام صيام” و”زينب والعرش” و”وقال البحر” و”النديم” و”غدا تتفتح الزهور” و”الزوجة أول من يعلم” و”ثمن الخوف” و”السبنسة” و”ضمير أبلة حكمت” و”وجه القمر” وغيرها من المسلسلات التي فتحت له قلوب المشاهدين وساعدت على إبراز موهبته وترسيخ نجوميته.
وفي المسرح شارك الفنان جميل راتب في فرنسا في عدد كبير من عروض فرقة “الكوميدي فرانسيز”، وبعد عودته إلى مصر شارك في بطولة عدد كبير من المسرحيات منها “دنيا البيانولا” و”اليهودي التائه”، كما شارك مع الفنان محمد صبحي في بطولة مسرحية “انتهى الدرس يا غبي” بعد أن أعاد تقديمها مرة أخرى في ثمانينيات من القرن الماضي، وقام بإخراج عدد من المسرحيات منها “الأستاذ” و”زيارة السيدة العجوز” و”شهر زاد”، كما شارك في بطولة عدد من الأعمال الإذاعية منها مسلسل “كفر نعمت”.
#إعادة_نشر