فرفض زيد أن يعود لأهله وآثر أن يبقى مع النبى فأعتقه عليه الصلاة والسلام وخرج به الى الناس قائلا: “اشهدوا يا قوم أن زيدا ابنى يرثنى بعد موتى”، وصار يدعى زيد بن محمد وهو أول الموالى إسلاما والإيمان بالنبى وهو الصحابى الوحيد الذى ذكر اسمه فى القرآن وشهد العديد من الغزوات مع رسول الله وكانت له مكانة كبيرة عنده فقرر أن يزوجه ابنه عمته زينب بنت جحش وعندما تقدم النبى لخطبتها لزيد ظنت زينب أنه سيخطبها لنفسه وعندما علمت أنه يريدها لزيد رفضت وأبت لكونه لايساويها فى النسب والشرف حيث إنها من أشراف قريش وأيدها فى رفضها أخوها عبدالله، إلا أن رسول الله أصر على إتمام الزيجة ضربا للمعتقدات والعادات الخاطئة التى لايجيزها الإسلام والذى ينص على أنه لا تمييز لأحد على أحد إلا بالتقوى حتى أنزل الله قوله تعالى الذى يحث على المساواة فى الآية 13من سورة الحجرات: ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) كما نزل قوله تعالى فى الآية 129 من سورة النساء: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) وامتثلت زينب لأمر رسول الله وتزوجت زيد بن حارثة وكان قصد النبى من هذه الزيجة هو تحطيم الفوارق الإجتماعية ليرد الناس سواسية كأسنان المشط لافضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
حكمة زواج زينب من زيد
عاد زيد للنبى بعد سنة واحدة من زواجه بزينب ليشتكى كثرة المشاكل بينهما فحرص رسول الله على تأليف قلبيهما أملا فى دوام العشرة بالمعروف فزيد فى مقام ابنه وزينب ابنة عمته وقال لزيد: “اتق الله وأمسك عليك زوجك” فأنزل الله قوله تعالى: (وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه) وفهم النبى أن الله تعالى يخبره أن زينب بنت جحش ستكون زوجته ولكن النبى خاف المنافقين وكلامهم خاصة أن زيداً ابنه بالتبنى، ولكن بعد ما وقع الطلاق بين زينب وزيد وبعد انقضاء عدتها تزوجها النبى لحكمة تشريعية عظيمة وهى إسقاط التبنى وكان هو أول من يطبق هذه الحكمة عملا بقوله تعالى 37 من سورة الأحزاب: ( فلما قضى منها زيد وطرا زوجناكها لكى لايكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا) وبعد زواج رسول الله من زينب بنت جحش تكلم المنافقون حول تحريم محمد زواج نساء الولد وهو تزوج امرأة ابنه فأنزل الله قوله تعالى 40 الأحزاب: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شىء عليما) وقال أيضا فى 5 الأحزاب: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما)
اعتراف عائشة
كانت زينب بنت جحش تحتل مكانة عالية عند رسول الله مما جعل أم المؤمنين عائشة تعترف بذلك فقالت عنها: “كانت زينب هى التى تسامينى من أزواج النبى ولم أر امرأة قط خيرا فى الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم”، ولكن هذا الاعتراف لم يمنع عائشة الغيرة من زينب بنت جحش وكانت عائشة تعلم أن النبى يشرب العسل عند زينب فاتفقت مع السيدة حفصة وأم سلمة على أنه كلما دخل النبى عليهن يقلن له إنه تنبعث منه رائحة مغافير وهو صمغ حلو يسيل من شجر العرفط يؤكل فيقول لهن: “بل عسل” وعندما تكرر الأمر أقسم النبى بألا يذوق العسل، وهنا نزلت الآية الكريمة: ( يا أيها النبى لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضات أزواجك والله غفور رحيم).
حجة الوداع
كان رسول الله يصف السيدة زينب بنت جحش بأنها أواهة فسأله عمر بن الخطاب وما الأواهة فقال الأواه هو الخاشع المتضرع ( إن إبراهيم لحليم أواه ومنيب) هود 75 وقد اشتركت رضى الله عنها مع النبى فى غزوة الطائف وغزوة خيبر ثم حجة الوداع وبعد وفاة النبى ظلت زينب بنت جحش رضى الله عنها محافظة على عدة لازمة بيتها ففى حجة الوداع قال المصطفى لزوجاته: “هذه ثم ظهور الحصر” فكن كلهن يحججن إلا زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة وكانت تقولا والله لاتحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من النبى وظلت زينب جوادة كريمة زاهدة بالدنيا ومتاعها، ولما أرسل لها عمر نصيبها من العطاء قالت: “غفر الله لعمر” وقسمت نصيبها على المحتاجين وقد توفيت زينب بنت جحش فى خلافة عمر بن الخطاب فى عام واحد وعشرين من الهجرة عن عمر 54 سنة.