ربما لم نتعلق أنا وأبناء جيلي أو نرتبط بفنان مثلما تعلقنا وارتبطنا بالفنان الراحل ممدوح عبد العليم، وربما يكون هذا التعلق والارتباط قد حدث دون أي قصد أو شعور منا، وهذا لأن معظم الشخصيات السينمائية والتليفزيونية التي جسدها قد جاءت معبرة بصدق عن أحلام وتطلعات وانكسارات جيلنا، وربما أيضا الجيل الذي سبقنا.
فقد عرفنا معاناة الحب مع سامح في “الحب وأشياء أخرى”، وعشنا المأساة مع حسين وهدان في “البريء”، وسافرنا إلى الجنوب مع حربي لنشاهد “خالتي صفية والدير”، ورأينا الضعف والقوة والرومانسية معه في شخصية علي البدري في “ليالي الحلمية”، ورحل رفيع بيه العزايزي المثقف ذو الأخلاق الرفيعة عن عالمنا مثل “الضوء الشارد”، بعدما ترك لنا عددا من الأعمال الفنية الراقية التي لا تنسى، وستبقى دائما فى وجداننا وأذهاننا، بعدما أعلنت موهبته عن نفسها وقالت: “سمع هس”، فصاحبي بطل حقيقي وليس “بطل من ورق”.
وقد ولد الفنان ممدوح عبد العليم في سنة 1956، بقرية سنتريس مركز أشمون بالمنوفية، وبدأ حياته الفنية في طفولته، حيث شارك في برامج الأطفال بالتليفزيون، كما شارك في مسلسل الأطفال “وليد وراندا في الفضاء”، ثم شارك في مسلسل “الجنة العذراء” مع الفنانة كريمة مختار، ولكنه ابتعد عن العمل بالفن لاستكمال دراسته، وبعد حصوله على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية، شارك في مسلسل “أصيلة” سنة 1980، ثم بدأت شهرته وانتشاره مع مسلسل “صيام صيام”، الذي عرض خلال شهر رمضان.
وقد شارك الفنان ممدوح عبد العليم في عدد كبير من الأعمال السينمائية المتميزة على مدار تاريخه الفني الطويل، مثل أفلام “بطل من ورق”، و”سمع هس”، و”البريء”، و”العذراء والشعر الأبيض”، و”كتيبة الإعدام”، و”سوبر ماركت”، و”مشوار عمر”، و”قهوة المواردي”، و”الحرافيش”، كما شارك في عدد كبير من المسلسلات التليفزيونية الشهيرة مثل “ليلة القبض على فاطمة”، و”أخو البنات”، و”دعوة للحب”، و”الحب وأشياء أخرى” الذي أدى فيه دور سامح مدرس الموسيقى الفقير الذي يقع في حب الدكتورة هند الثرية ويتزوجها، ولكن يتحطم الحب وينهار الزواج بسبب الواقع ومشكلاته التي تغلبت على أحلام حبهما الوردية.
بالإضافة إلى مسلسلات “الطارق”، و”جمهورية زفتى”، و”أبيض في أبيض”، و”المصراوية”، و”خالتي صفية والدير”، و”الكومي”، و”شط إسكندرية”، و”السيدة الأولى”، و”ليالي الحلمية” الذي جسد من خلاله دور علي البدري، ذلك الشاب ابن العائلة الكبيرة، ووالده الباشا الذي تزوج من أم علي الفقيرة التي ماتت وتولت خالته تربيته، وقد تفاعلنا وتعاطفنا مع علي البدري، ومع تناقضاته الكثيرة التي ارتبطت بتغيرات البلد السياسية المتعددة وغيرت في تركيبته النفسية، كما غيرت في تكوين وبنيان المجتمع المصري كله.
كما قام ببطولة مسلسل “الضوء الشارد”، حيث أدى فيه دور رفيع بيه العزايزي، ابن العائلة الكبيرة التي تمثل الإقطاع القديم وصراعه مع وهبي السوالمي الذي يمثل طبقة الملاك الجدد، وفي هذا المسلسل رأينا هناك صراعا آخر خفيا، كان دائرا بين رفيع العزايزي وبين نفسه، حيث كان يرفض الحب ولا يؤمن به، ويتضح ذلك حينما قال لأخيه الذي وقع في الحب: “بلا حب بلا كلام فارغ!”، فإذا به هو نفسه يقع في حب نفس الفتاة التي أحبها أخوه الذي توفي، وتتسبب قصة حبه تلك في تحويل شخصيته من إنسان يتسم بالقسوة والجدية الشديدة إلى إنسان آخر عاشق حالم متسامح.
وكان هذا الدور بمثابة علامة كبيرة تركها الفنان ممدوح عبد العليم في مسيرته الفنية، بل وفي تاريخ الدراما التليفزيونية بصفة عامة، ويكفي أنه وقت عرض هذا المسلسل أرسل أحد المشاهدين رسالة نشرت في صفحة الرأي بجريدة الأهرام قال فيها: “كنت أخجل من اسمي الذي كان يجعلني مثار سخرية المقربين مني، ولكنني الآن أصبحت أتباهى بأن اسمي رفيع، بل وأصبح المقربون مني يتباهون أنهم من أصدقاء رفيع بيه.
وقد عاش الفنان ممدوح عبد العليم حياته زاهدا في الشهرة والنجومية، مكتفيا بالقيام بأدواره التي سلطت عليه الضوء، ووضعته في مكانة تليق به وبتاريخه الفني، بين عظماء الفن المصري مدى الحياة، وكانت وفاته في يوم 5 يناير سنة 2016.
والجدير بالذكر أن الفنان ممدوح عبد العليم كان متزوجا من الإعلامية شافكي المنيري، وأنجبت منه بنتا واحدة اسمها هنا، وبعد وفاته وثقت زوجته تفاصيل حياته وأعماله الفنية بالإضافة إلى قصة حبهما في كتاب أصدرته باسم “أيام في بيت المحترم”، وجعلت جميع أرباح مبيعات هذا الكتاب صدقة جارية على روح زوجها ممدوح عبد العليم.