أهم الأخبار

القانـون الغائـب | كتبت : منال الشرقاوى

القانـون الغائـب

كتبت : منال الشرقاوى

يبدأ عظيم النار من مستصغر الشرر .. وقفت أمام هذه الجملة أتمعن فى مفرداتها وأتذكر الكثير من المواقف فى حياتنا ، فكل مشكلة صغيرة لا تتم معالجتها تؤدى بطبيعة الحال إلى المزيد و المزيد من المشاكل !
فتخيل مثلاً أنك ترى مبنى به نافذة ، وقام أحدهم بإلقاء الطوب على تلك النافذة ، ماذا سيحدث ؟!
-نعم .. إجابتك صحيحة ستُكسر النافذة بطبيعة الحال .
ولكن ..ماذا بعد ؟!
فمن الطبيعى فى مثل هذا الموقف أن نقوم بإصلاح النافذة ، ومعاقبة المتسبب فى هذا الضرر ، أما فى حال لم تُصلح النافذة سيشعر المارة أنه لا أحد يهتم !
وعلى هذا الإعتقاد ستُحطم نوافذ أخرى !

تحت شعار لا أحد يهتم !
هذا ما توصل إليه المنظرين :
James Q. Wilson و George L. Kelling
وهما من أشهر علماء الإجتماع ، ففى عام 1982كتب العالمان مقالهما والذى أعلنا فيه لأول مرة عن نظرية ” النوافذ المكسورة ” ، والتى أصبحت فيما بعد ، من أشهر النظريات فى علم الجريمة .
وعلى الرغم من بساطة مبدأ النظرية من الناحية الظاهرية إلا أن الصعوبة تكمن فى تطبيقها على الكثير من البيئات المجتمعية .
فالتجاوز عن الأخطاء الصغيرة يؤدى إلى تجاوزات كبيرة … وهنا تحدث الفوضى !

لقد بنُى جوهر النظرية على أحد علوم النفس البشرية والذى يقول بأن الإنسان لديه القدرة على الإلتزام بالقوانين ؛ متى توفرت له البيئة التى تحثه على ذلك .
وكنتيجة طبيعية للنظريه ، عندما يتم التعامل مع المشكلات فور ظهورها فإن ذلك يؤدى إلى السيطرة عليها وتحجيمها وعدم تكرار حدوثها مرة أخرى .

ومن الرائع أن النظرية كانت سبب رئيسى فى تغيير قوانين الإدارة فى الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث تبنت الإدارات الحكومية نظرية الشباك المكسور كأساس فى “فن الإدارة وتطوير العمل”
فمثلاً فرضت الغرامات على إلقاء المخلفات بالشارع ، أو الكتابة على الجدران .
كما فُرضت الغرامات على عدم الإلتزام بقواعد المرور .
وهنا علينا أن نعترف بالنتائج الإيجابية لتطبيق النظرية ، فحتى لو لم يكن للنوافذ المكسورة تأثير كبير على كل أنواع الجرائم ؛ فإن “الإلتزام بالنظام فى حد ذاته غاية لا تحتاج إلى تبرير” .
ويجب أن نُنوه أيضاً إلى أن تطبيق النظرية لا يقتصر على البيئات المادية فقط ، ولكنه يُطبق على أى موقف سلبى فى حياتنا لم يتم التعامل معه فور ظهوره !
ويبقى السؤال ، هل تطبيق نظرية الشباك المكسور مقتصراً على قوانين الدول فقط أم يمكن تطبيقها كقانون بشرى يحكم العلاقات الإنسانية ؟
فى الحقيقة ، وقفت كثيراً كى أجيب على هذا التساؤل_ والذى يبدو بسيطاً_ ، فمن الطبيعى والبديهى ألا نجد كسوراً أو حتى شروخاً فى نوافذ العلاقات الإنسانية .
فكم من علاقة إنتهت وإنهارت بسبب كسر بسيط فى نافذتها لم يُرمم منذ البداية !

إن فوضى النفس البشرية والعلاقات الإنسانية لا تقل أهمية عن فوضى غياب القانون ، فنتيجة الإهمال واحدة وهى الخراب ، وعلينا أن نُعيد النظر مُجدداً إلى كل النوافذ التى نطل عليها ولا نسمح بقبول أى كسر بها!

زر الذهاب إلى الأعلى