إن من طبيعة النفوس أنها تميل إلى القصص ، ومن جمال القصص أنه كثيرا مايسوق إلينا العبر والدروس المستفادة فى طياته ، ونتعرض فى حديثنا الآن إلى قصة نبى الله يعقوب عليه السلام ، فبداخل قصته الكثير والكثير من العبر والرسائل الربانية لبنى آدم لعلنا منها نستفيد
فى البدايه يجب أن نعرف أن سيدنا يعقوب هو أحد أبناء سيدنا إسحاق الإبن الثانى لسيدنا إبراهيم من زوجتة سارة بعد أن رزقه الله بسيدنا إسماعيل من زوجته هاجر رضوان الله عليهم آجمعي ، وهو أبو سيدنا يوسف عليه السلام وأبو الأسباط الأحد عشر لبنى إسرائيل ، ويسمى أيضا فى الروايات المتواتره بإسم إسرائيل وهو مايعنى باللغة العبرية عبد الله ( كلمة إل فى العبرية تعنى الله وكلمه إسرا تعنى العبد ) ، ولد يعقوب فى بلاد كنعان (بيت المقدس ) وعاش طفولته وتربى بها وحينما بلغ سن الشباب كثرت الإشكاليات بينه وبين أخيه التوأم ويسمى( العيس ) فحسب الروايات فإن العيس كان كثير الحقد على يعقوب عليه السلام ، فما كان من يعقوب رضى الله عنه إلا أنه فضل السلامة والبعد عن الخلافات حفاظا لود الأرحام ورغبة منه ألا يرهق والديه بخلافاته هو وشقيقه وإيمانا منه بأن أرض الله واسعه لإبتغاء الرزق والفلاح ، فجهز حاله وشد الرحال إلى بلاد حران (العراق) يقصد بيت خاله والذى يدعى ( لابان )
وهو فى طريقه أراد ان يستريح فى مكان ما وسط صخرة فغلبة النعاس فنام وفى اثناء نومة راءى ان الله يبشره بالبركة والخير فى أهله وذريته بهذه الارض ، فلما أستيقظ كتب على الصخرة (بيت إل) ثم حزم متاعه وأرتحل ليكمل طريقة ، حتى أستقر به الحال عند خالة ، ولأن يعقوب عليه السلام كان مؤمنا بأن العمل اساس كل نجاح وخير فبدء مع خاله فى رعاية الأبل والأغنام وكان لخاله ابنتان الكبرى تسمى (ليا) والصغرى(راحيل) ، ولأنه عليه السلام حافظا للجميل فأراد أن يجعل رابطا قويا بينه وبين خاله فطلب إبنته للزواج فوافق ولكنه إشترط عليه أن يعمل لديه سبع سنوات ففعل وبعد إنقضاء الأعوام زفت إليه الإبنه الكبرى (ليا) ، لكنه عليه السلام كان يريد الصغرى لكن عادات القوم حينها لم تكن تسمح بزفاف الصغرى قبل الكبرى ، فحفاظا على جميل خاله لم يعترض وتزوجها ضاربا لنا مثلا رائعا فى الرضا بالنصيب ، ولكن كانت لراحيل بقلبه مكانه خاصة فطلبها هى ايضا من خاله ليتزوجها فشرط عليه سبع سنوات اخرى ولم يكن الشرع حينها يحرم الجمع فى الزواج بين الأختين ، فوافق يعقوب عليه السلام وضحى بسبع سنوات أخرى من عمره ليظفر بها زوجه له ، فها هو نبى الله يضرب لنا أروع المثل فى التضحية فى الإرتباط المحلل ، وكانت لكلا منهم جارية فواهبتاها إياه
وبمرور اربعه عشر عاما بات ليعقوب زوجتان وجاريتان وثلاثة عشر من الأولاد ، فرزق من ( ليا ) الكبرى ست أولاد من الذكور (روبين ، شمعون ، لاوى ، يهوذا ، إسكر ، زيلون ) وأبنه واحده (دينا ) ومن جاريتها إثنان من الذكور(جاد وعشير) ، ورزق من جارية راحيل إثنان من الذكور (دان ، نفتالى ) وبعد صبر كبير ودعاء من يعقوب وزوجتة راحيل رزقهم الله إثنان من الذكور ( يوسف عليه السلام ، بنيامين ) ليعطينا درسا فى الأمل فى الله وبركة الدعاء ، ولأن يعقوب عليه السلام كان شاكرا لله على النعم فأغدق عليه الله تبارك وتعالى بالرزق الوفير وبارك له فيه ، ولأنه من قبل قد أسر السلامة وحفظ رباط الود مع أخيه فقد آلان الله قلب أخيه عليه وأصلح حاله ليكافئ الله يعقوب عليه السلام على جميل صنيعه سابقا مع أخيه وأهله ، فيأذن الله أن يتم جمع شمل الأهل مره أخرى
وبعد عشرون عاما قضاها يعقوب عليه السلام فى بلاد حران يقرر الرجوع إلى موطنه بأولاده وزوجاته وجواريه وما ملك من الأموال والأنعام والإبل ويتجمع الأهل مره أخرى ، ثم يتوفى أبوه إسحاق عليه السلام ، ويأذن الله أن يستمر سلسال النبوة فى البيت فيوحى إلى يعقوب عليه السلام بالنبوة ، وتتحقق الرؤية القديمه له إذ اوحى الله اليه أن يبنى بيت لله عند الصخرة التى رأى عندها الحلم سابقا ، ويبنى بيت المقدس (المسجد الاقصى الحالى ) وينال شرف بناء ثانى بيوت الله فى الارض بعد المسجد الحرام الذى شرف ببنأه أجداده إبراهيم وإسماعيل عليهم جميعا الصلاه والسلام ، ولأنه قد وهبه الله الفراسة والحكمة فقد رأي فى إبنه يوسف عليه السلام أنه سيصبح ذو شان عظيم وكان يوسف هو أحب أبنائه إليه وأقربهم مودة ، مما جعل إخوته يغيرون منه ويحقدون عليه وكان يحاول جاهدا عليه السلام أن يحميه من شرهم لكن الحذر لا يمنع وقوع القدر
ولأن حياة الأنبياء لا تخلوا من المحن والعثرات ، فينزغ الشيطان بين إخوة يوسف ويوسوس لهم فيكيدوا له ليتخلصوا منه لما رأوه من حب أبيهم الزائد للاخ الاصغر والحفاوه التى يلقاها منه والتفضيل عليهم ، لتبداء قصة معاناه أخرى فى حياة يعقوب عليه السلام ، فقد كان يوسف أقرب الأبناء إليه وأفضلهم ، وخصوصا بعد أن قص يوسف عليه السلام رؤيته المشهورة عليه ، هنا وبفراسة النبوة لدى يعقوب علم أن يوسف سيكون له شان عظيم فقد وهب الله ليعقوب القدرة على تأويل الأحلام والرؤى كسائر انبياء الله ، يقوم الأخوة بالقاء يوسف فى البئر بعد أن أخذوه ليلعب معهم ولما عادوا إلى أبيهم أخبروه كذبا أن الذئب قد أكله ، هنا حزن يعقوب حزنا شديدا فقد على أثره البصر ، لكنه لم يفقد الأمل فى الله أن يرد إليه أبنه يوم ما ، وصبر على ذلك مايقرب من الأربعون عاما على حسب الروايات ، وتمر السنوات ولايخيب الله ظن عبدا ظن فيه خيرا ، فيأذن الله أن يجمع يعقوب بأبنه يوسف عليهما السلام بعد أن انقذه الله من البئر و أعلى شأنه حتى اصبح عزيز لمصر
وبتجمع شمل ألاهل مرة أخرى ننتقل للفصل الأخير فى حياة يعقوب عليه السلام ، فيرتحل مع أهله جميعا الى مصر ليعيش بها ماتبقى من عمره مع أبنه يوسف عليه السلام بعد ان أصبح عزيز مصر ليجبر الله خاطر يعقوب عليه السلام ويعوضه عن سنوات البعد وعن شقاء الحزن على فقده لإبنه طيله هذه السنوات ، وحينما أحس بقرب إنتهاء الأجل تحدث إلى يوسف بأن يعده بدفنه فى موطنه الأصلى بعد مماته مع أبيه إسحاق وجده إبراهيم عليهم جميعا السلام ، ويأتى الأجل ليعقوب عليه السلام ويموت بمصر عن عمر مايقرب من مائه وسبعه وأربعون عاما ، وينفذ يوسف وإخوته وصية أبيهم ، فيحمل جسدة إلى الموطن الأصلى بفلسطين ويقال بأنه دفن فى الحرم الإبراهيمي بالخليل ، وتنتهى قصة نبى الله يعقوب ، وقد اعطتنا دروس متعدده من جبر الخواطر بين بنى ادم و التضحيات من أجل المحبه الصادقة وجبر الله لخواطر عباده الصابرين والدرس الاعظم بأنه قد يكون بداخل كل شره نراه خيرا عظيما لانراه الا بعد حين .
بقلم / أمير ابورية