فنون و ثقافة

لام الشمسية”.. دراما إنسانية تضيء العتمة بقلم: سهير مجدي

في زمن ازدحمت فيه الشاشات بالقصص الاستهلاكية، جاء مسلسل “لام الشمسية” ليعيد إلى الدراما العربية دورها الأصيل: أن تكون مرآةً للوجع الإنساني وقبسًا من نور لمن ضلّوا طريقهم.

المسلسل لم يكن مجرد حكاية مكتوبة ببراعة أو مشاهد مصورة بإتقان؛ بل كان رسالة واعية تتبنى قضية تمس كل بيت: الاحتضان، والانتماء، وأثر الطفولة المعذبة على مصير الإنسان.

“لام الشمسية” انحاز بجرأة للحديث عن أطفال بلا سند، من سقطوا من ذاكرة المجتمع أو تناساهم الأقربون. ناقش قسوة التخلي عن الأطفال بأبسط صورها وأكثرها وجعًا: نظرة، كلمة، أو غياب دفء كان من حقهم أن ينالوه. قدّم العمل معالجة رصينة بعيدة عن الميلودراما الفجة، ليغوص بأناة في أعماق الشخصيات، كاشفًا هشاشتهم ومكامن قوتهم الخفية.

أما المفاجأة الحقيقية في المسلسل فكانت في أداء الطفل الذي جسد شخصية “ياسين”.
بمزيج مذهل من البراءة والوعي، جسّد الطفل معاناة “ياسين” طفل الشوارع الذي يحلم بالدفء. لم يعتمد على نظرات حزن مصطنعة أو دموع سهلة؛ بل نقل إحساس الشخصية بصدق نادر، جعل المشاهد يلتقط أنفاسه مع كل ارتجافة خوف أو ومضة أمل في عينيه.
أتقن التعبير عن الوحدة دون صراخ، وعن الحب المقموع دون أن ينطق، حتى بات “ياسين” رمزًا صغيرًا لطفل يسكن في كل زاوية من شوارعنا المنسية.

التحية لكل صنّاع العمل الذين آمنوا بأن الفن ليس مجرد ترف، بل أداة للشفاء الجماعي، وللطفل المذهل الذي ذكّرنا أن القوة الحقيقية أحيانًا تولد من هشاشة القلب.

“لام الشمسية” لم يكن مجرد مسلسل؛ بل ضوء خافت تسلل إلى أرواحنا، وربما أيقظ فينا شيئًا كدنا ننساه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى