حديثنا اليوم عن علم من أعلام الصحافة في مصر ..هو رجل عصامي بدأ من الصفر وعلم نفسه بنفسه، وشق طريقه في بلاط صاحبة الجلالة واحتل مكانة في ظل وجود العشرات من الأعلام …
هو الأستاذ محمد عمر الشطبي، الذي يمثل ظاهرة أدبية جديرة بالاهتمام و الدراسة؛ إذ أنه كان يعيش دائما نبض مجتمعه ويؤمن بقضاياه، وكان لديه القدرة على التقاط المواقف الاجتماعية وبحسه الأدبي يشكلها في صيغ أدبية خاصة يقدمها للقارئ من خلال منظور واقعي.
وقد ساعد العمل الصحفي الذي يشغله على التعرف على الكثير من القضايا الاجتماعية التي تتعرض لها نماذج حقيقية تعيش في المجتمع، فارتبط بها واستخدم حروفه وكتاباته من نسيج تكوينها الإنساني، وهو يكتب في شتى فروع الأدب، والفن، في القصة القصيرة، والرواية، والشعر، والمسرح، والنقد الاجتماعي، ونحو ذلك.
ولد محمد الشطبي في قرية شطب بمركز القوصية بمحافظة أسيوط سنة 1943، في أسرة متوسطة الحال، حيث كان الابن الأكبر لوالده الذي كان يعمل موظفاً بشركة المياه وله ستة أخواة وأخوات آخرين ..
حضر إلى القاهرة صحبة والده الذي نقل إليها واستقر بهم المقام في حي شبرا العريق، ونظراً للأعباء الكثيرة التي تثقل كاهل والده عمل بأكثر من مهنة بعد حصوله على الشهادة الابتدائية وآخرها محاسب بإحدى دور النشر، وتوقف عن مواصلة دراسته نتيجة لإصابته بمرض خطير في ألقلب، ولكن لم يمنعه ذلك من مزاولة هويته ومعشوقته وهي الكتابة الصحفية والقصصية بعد تجاوز محنة مرضه .. وفي هذا التوقيت مات والده، تاركاً خلفة أسرة كبيرة العدد، وكان عليه مواجهة الحياة بمفرده ومعه أخواته وأمه التي كان يحبها حباً جماً وظلت معه كظله حتى رحلت عن الحياة..
واستولي حب الصحافة على وجدانه وخصوصاً الصحافة الفنية وأغرم بها، وكان يقرأ لكبار الكتاب الذين تخصصوا في هذا الشأن من أمثال: محمد التابعي، وحسن إمام عمر، وكمال النجمي، وعبدالنور خليل، وسيد فرغلى، وكان يتابع مقالاتهم بلهفة ويلتهمها وتكوّن لديه محصول ضخم في هذا المجال تسلح به عندما تخصص في هذا المجال، ومن عجب أن يبدأ عمله في كبرى المجلات .. ففي عام 1970 سافر إلى بيروت وعمل محرراً بمجلة “الشبكة” ثم بمجلة “الموعد” ومجلة “نورا” التي أصرهما الصحفي العربي الكبير محمد بديع سربية، واكتسب خبرة هائلة بعمله في هذه المجلات التي تنفق عليها ميزانيات ضخمة وتصدر بإخراج مبهر وكانت تستضيف على صفحاتها كبار النجوم تحاورهم وتنشر لها مذكراتهم وأخبارهم الحصرية ..وعاد إلى القاهرة ومعه خبرة لم تتوافر لمن حصلوا على الشهادات العليا …
ولما كان يعرف عنه صدق العزيمة ومخاصمة اليأس وحب المخاطرة والتجريب عمل على تأسيس أول جريدة مصرية مستقلة لا تتبع أي اتجاه سياسي أو فكري هي جريدة “الحياة”، وذلك سنة 1980، والتي مازالت تصدر إلى اليوم ويكتب فيها كبار الكتاب والصحافيين. ,ولما نجحت تجربة “الحياة”، أسس مجلة “الفن والكاميرا” وكان لها حضور ورؤية فنية واضحة في عهدها وقد ناطحت المجلات الفنية العريقة مثل “الكواكب”، و”نورا”، و”الموعد”، و”الشبكة”، واحتلت مكانة وكانت تتابع أخبار الفن والموسيقى والغناء، وتنشر مقالات نقدية عن الأفلام والأغاني والموسيقى والمسرح .. ولم يتوقف حلمه وطموحه فأسس دار الحياة للنشر وتعهد برعاية المواهب الأدبية والنشر لها، وقد تتلمذ على يديه العديد من أبنائه الصحفيين الذين يشغلون حاليا مناصب في كبرى الصحف المصرية..
ورغم كثرة العمل وأعباء التحرير وإدارة دار الحياة للطباعة إلا أنه أثرى المكتبه العربية بعدد من الكتب منها: “السادات كارتر رحلة سلام”، و”نفوس معذبة”، و”كلمتي” مقالات نقدية، و”الرجل الذئب”، و”نهاية الحروب”، و”المرأة العربية”، و”آهات حزينة”، و”شباب ضائع”، و”أمرأة ولكن”، وقد كرمه الرئيس المؤمن محمد أنور السادات على كتابه “أنور السادات كارتر رحلة سلام”، وأعطاه شهادة تقدير وإهداء تذكاري..
ولم ينسى حلمه القديم في إتمام دراسته، وبالفعل التحق بكلية الآداب جامعة الفيوم، وحصل منها على ليسانس الآداب..
وقد شارك في العمل الاجتماعي فأسس سنة 1980 جمعية رعاية الأرامل والمطلقات ومنها حصل على موافقة مجلس الشورى المصري بإصدار جريدة الحياة المصرية كأول جريدة مصرية مستقلة خاصة.
وكان محمد عمر الشطبي عضواً في العديد من الهيئات منها: نقابة الصحفيين، واتحاد كتاب مصر والعرب، ونادى القصة وجمعية الأدباء.
توفي في يوم الثلاثاء 3 مارس 2015 عن عمر ناهز 70 عاماً، ومازال نهر الحياة مستمر مع إدارة ابنه علي الشطبي فوقه الله لإتمام خطي والده..
وقد ألف الدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي سفير كوسوفو في مصر، كتاباً بعنوان “الكاتب و الروائي الكبير محمد عمر الشطبي وجهوده الأدبية و الثقافية” للدكتور بكر إسماعيل الكوسوفي وصدر عن دار ألبا برس.
المراجع:
1- رسالة بعث بها نجله الأستاذ على محمد الشطبي ..
2- إبراهيم خليل إبراهيم “الكاتب الصحفي محمد عمر الشطبي” موقع ديوان العرب 6مارس 2013.
3- بكر إسماعيل الكوسوفي “الكاتب و الروائي الكبير محمد عمر الشطبي و جهوده الأدبية و الثقافية سلسلة ألبا برس