ثلاثة من الاختراعات كان ولا يزال لها دورها الكبير والمهم في حياة أي إنسان، فقد ساعدته ومكنته من القيام بواجباته ودوره الاجتماعي. منها ما لا يمكنه الاستغناء عنها لمواصلة الحياة بشكل مريح وبدون قلق، ومنها ما يقيه من الأمراض الوبائية والمعدية، ومنها ما تزيده أناقة و”شياكة”. ويحق لأصحاب هذه الاختراعات التكريم والإشادة بهم والتعريف بمخترعاتهم ذات القيمة الإنسانية والجمالية، ومدى النفع العائد على البشرية من هذه الأدوات. نذكر من هؤلاء “مخترع النظارة، ومخترع الكمامة، ومخترع الكرافتة”!!
النظارة الطبية أو النظارة الشمسية لهما دور أساسي في الحفاظ على العين وعلى البصر، وعلى مواصلة “ضعفاء البصر” لأعمالهم وقراءتهم. وأول من فكر في اختراع النظارة الطبية هو العالم المسلم الحسن بن الهيثم المعروف “بابن الهيثم”، وكان الرجل عالما كبيرا وشغوفا بالعلوم الطبيعية وتأليف الكتب العلمية، وعندما كبر في السن وضعف بصره، قام بإجراء عدد من التجارب على الزجاج ليصنع منه نظارة تعينه على القراءة، وفعلا استطاع التوصل إلى اختراع عدسة محدبة، كانت تظهر الكلام والأشكال بصورة كبيرة وواضحة!!، وبدأ الرجل يطور عدساته عندما وضع في حساباته تفاوت قوة البصر بين عين وأخرى، ساعده على ذلك معرفته بتركيب العين ووظائف أعضائها، وكانت هذه النظارة عبارة عن قرص كبير من الزجاج المحدب يكبر الخط لكل عين، فهي تثبت أمام العين أثناء القراءة، وبذلك فإن ابن الهيثم “رائد علم البصريات وقتها” يعد أول من صنع النظارة الطبية، أما تصنيع أول نظارة طبية “دقيقة” فيقال إنها صنعت في إيطاليا عام 1286م. وقد تمت ترجمة كتاب ابن الهيثم في البصريات إلى اللغة اللاتينية في عام 1240م، واطلع عليه عدد من القراء المتميزين في المجتمعات الرهبانية، فانتشرت أفكاره العلمية وأصبحت حقيقة، وفي القرن الثالث عشر طور الرهبان الإيطاليون، عدسة شبه كروية مصنوعة من الكريستال الصخري والكوارتز لتكبير الحروف إذا وضعت عليها.
وأما الاختراع الثاني فهو “الكمامة” والتي تعد هي الأخرى واحدة من الاختراعات الطبية المتميزة، وظهرت قيمتها الكبيرة في الفترة الأخيرة بداية من عام 2019م مع انتشار وباء كورونا “كوفيد 19” ومتحوراته، فساهمت – مع الاعتبارات الوقائية الأخرى – في وقاية الإنسان بشكل كبير من الأوبئة وخاصة الأطباء الذبن يختلطون مع المرضى ويحتكون بهم، وتم تصنيع الكثير من الأنواع والأشكال في ظل هذا الوباء العصري الخطير. ترجع الفكرة الأصلية والأساسية لاختراع الكمامة إلى العالم والجراح الفرنسي الكبير “بول بيرغر” عام 1897م، من أجل حماية الأطباء أثناء قيامهم بإجراء العمليات الجراحية للمرضى، وتمكن “بول بيرغر” من تقديم أول قناع جراحة تعرفه البشرية، عندما شعر بالخطورة الشديدة التي يتعرض لها معظم الأطباء أثناء تواجدهم في غرفة العمليات، وإصابة البعض منهم بالميكروبات، ووجود آثار من الدم التي تسقط على وجوههم!!. أتذكر أنه خلال رحلتي الحج والعمرة من سنوات مضت وقبل ظهور كورونا، كان المشهد الملفت للنظر هو اهتمام الحجاج من دول شرق أسيا بارتداء الكمامة، وكنا ننظر إليهم وقتها باستغراب، والآن علمنا أننا أخطأنا في حقهم مبكرا!!
الاختراع الثالث أو بالأدق الاكتشاف الثالث هو ربطة العنق أو “الكرافتة”، وكان ظهورها في القرن السابع عشر خلال حرب الثلاثين عامًا في فرنسا، حيث استأجر الملك لويس الثالث عشر مرتزقة من كرواتيا، وكانوا يرتدون قطعة قماش حول عنقهم كجزء من الزي الرسمي، وقد أعجب الملك لويس بها لدرجة أنه جعلها زيا رسميا لحضور التجمعات الملكية، ومن أجل تكريم الجنود الكرواتيين أطلق عليها اسمLa” Cravate”. وانتشرت الكرافتة في دول العالم، وأصبحت ضمن أدوات “الشياكة” للرجل وللمرأة على حد سواء.. ومع وباء كورونا فإن أناقة الشخص أو “شياكته” ربما لا تكتمل إلا بارتداء النظارة والكمامة والكرافتة!!
13 2 دقائق