استفاقت قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس جنوب محافظة المنيا على واحدة من أبشع الوقائع المأساوية، بعدما لفظ خمسة أطفال أشقاء أنفاسهم الأخيرة في ظروف غامضة خلال أيام متفرقة.
ولا يزال الغموض يُسيطر على تلك الواقعة، والفزع والحزن يملآن أرجاء القرية المكلومة على وفاة 5 أشقاء انتهت أحلامهم قبل أن تبدأ، وتساقطوا واحدًا تلو الآخر، والسبب لا يزال مجهولًا حتى الآن، إن كان مرضًا، فلم يظهر له سبب حتى اللحظة، وإن كانت جريمة، فلم تتشابك خيوطها بعد، وما زالت التحقيقات والتحريات جارية.
بدأت تلك المأساة عندما استقبل مستشفى ديرمواس المركزي طفلًا متوفى وخمسة آخرين مصابين، يعانون من نفس الأعراض.
بدأت محاولات الإنقاذ، لكنها باءت بالفشل، فرحل “ريم” و”عمر” خلف شقيقهم “محمد”، بينما أُدخل “أحمد” إلى العناية المركزة في حالة خطرة.
تسلّمت الأسرة 3 أكفان للصغار، وشيّعت جنازتهم في مشهد أبكى القرية بأكملها لبشاعته وقسوته وخيّم الحزن على أهالي دلجا، وقلوبهم يملؤها الخوف والفزع: ما الذي أصاب هؤلاء الصغار؟ هل هو مرض؟ أم جريمة؟! وظهرت بعض الأنباء التي تحدثت عن وفاتهم نتيجة “الالتهاب السحائي”، وبمجرد انتشارها أصابت الجميع بالذعر خوفًا على حياة أطفالهم.
تم سحب عينة من الطفل “أحمد” وإرسالها إلى المعامل المركزية بوزارة الصحة للوقوف على سبب الأعراض، وفي اليوم التالي، توفي “أحمد”، الضحية الرابعة، لتزداد المعاناة ويتعمق الحزن.
وأمرت النيابة بالتحفظ على جثمانه داخل ثلاجة حفظ الموتى، فيما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على الأب والأم للتحقيق معهما بشأن الساعات الأخيرة قبل وفاة أطفالهما، وتم نقل الطفلتين الناجيتين إلى مستشفى السموم لتلقي العلاج، وأمرت النيابة بالتحفظ عليهما وعدم تسليمهما لذويهما للاشتباه في الأسرة.
وأصدرت وزارة الصحة بيانًا نفت فيه ما يُشاع عن وفاة 4 أشقاء في نفس التوقيت بسبب الالتهاب السحائي، مؤكدة أن هذه الأنباء عارية تمامًا عن الصحة وغير موثقة علميًا، مشيرة إلى أنه لا يوجد دليل طبي يدعم حدوث وفيات في توقيت واحد نتيجة الأمراض المعدية، وشددت على ضرورة استبعاد الأسباب غير المعدية مثل التسمم الغذائي أو الكيميائي قبل تأكيد السبب.
وبعد يومين، خرجت الطفلتان من المستشفى للإدلاء بأقوالهما أمام جهات التحقيق، لكشف السر وإظهار الحقيقة، لكن سرعان ما تدهورت الحالة الصحية للطفلة “رحمة”، وتم نقلها إلى مستشفى ملوي التخصصي، وهناك، لفظت أنفاسها الأخيرة، وسُجّل اسمها بدفاتر الوفيات، ودُفن معها سرّها، قبل أن تبوح به.
رحلت “رحمة” خلف أشقائها الأربعة، تاركة بصمة حزن وألم في قلوب أهالي محافظة المنيا، ولا يزال السبب مجهولًا، فيما ظل جثمانها ملفوفًا داخل كيس أسود لحين انتهاء الإجراءات.
خيّم الحزن على قرية دلجا، واتشحت جدرانها بالسواد، بعدما شهدت واقعة مفجعة ستظل محفورة في ذاكرتهم على فراق تلك الأرواح الطاهرة، التي رُحلت براءتها ودُفنت أحلامها وآمالها قبل أن تبدأ.
ومن جانبها، فتحت النيابة العامة بالمنيا تحقيقات موسعة مع أسرة الأطفال، وطلبت التقارير ونتائج العينات التي تم سحبها منهم قبل الوفاة، للوقوف على الأسباب والملابسات، فيما يواصل رجال البحث الجنائي تحرياتهم لكشف تفاصيل تلك المأساة.


