طفل يقتل… فأي زمن نعيش؟
حين تسقط البراءة… لا يكفي العفو
بقلم: / سهير مجدي
لم يعد الموت يخيف الصغار كما كان، ولم تعد البراءة سمة الطفولة كما عرفناها.
في حادثة تهزّ الوجدان قبل أن تصدم العقول، أقدم طفل لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره على قتل زميله، في واقعة تقشعرّ لها الأبدان وتطرح سؤالًا مرعبًا:
ماذا حدث لأجيالنا؟
كيف يمكن لطفل، بالكاد يفكّ عقد الكلام، أن يحمل في قلبه هذا القدر من العنف؟
هل هي تربية الشارع؟
هل هو نتاج لعالم بلا رحمة، وشاشات تغذّي الغضب أكثر مما تُعلّم الحُب؟
مهما كانت الأسباب، يبقى السؤال الأهم: كيف سيحاسبه القانون؟
التقارير تشير إلى أن الجريمة لم تكن لحظة غضب عابرة، بل فعلًا مدبّرًا أقدم عليه الطفل ببرود غريب، في مشهد يصعب على الكبار تحمّله أو استيعابه.
ورغم فداحة ما حدث، فإن القانون يرى أنه “حدث”، وأن دار الرعاية أو مؤسسة الأحداث هي الحل.
لكن هل يدرك أحد ماذا يعني أن يعيش قاتل صغير وسط أطفال آخرين؟
هل نُربّي في هذه الدور نواة لجيل جديد من القتلة؟
قد يرى البعض أن الإعدام قاسٍ على طفل، لكن أليس القتل نفسه هو القسوة المطلقة؟
أليست العدالة قائمة على حماية المجتمع قبل أي شيء؟
كيف نُقنع أمّ الضحية أن قاتل ابنها سيخرج بعد سنوات قليلة ليعيش حياة جديدة؟
ما حدث لا يمكن اعتباره مجرد “خطأ مراهق”، بل هو جريمة مكتملة الأركان في قلب الطفولة، تقودنا إلى مأساة أخطر:
إذا دخل هذا الطفل دار الرعاية اليوم، فماذا سيخرج منها غدًا؟
هل نُعيد تأهيله حقًا، أم نُخرِجه وقد صار أكثر قسوة، أكثر تمرّدًا، وأكثر استعدادًا لتكرار الفعل؟
⚖️ بين حتمية العقاب وضرورة التأهيل
حين تُشتدّ العاطفة، يطالب البعض بأقسى عقوبة — لكن القانون الدولي ومعظم المواثيق الحقوقية يقفان موقفًا واضحًا:
لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام على من كانوا دون 18 سنة وقت ارتكاب الجريمة.
هذا المبدأ ثابت في اتفاقية حقوق الطفل وكل التشريعات الدولية تقريبًا.
إذن، ما الحل؟
العدالة الحقيقية ليست في الانتقام، بل في الموازنة بين حق المجتمع في الأمان وحق الفرد في الإصلاح.
ولذلك فإن القضية تستدعي توازنًا شديدًا:
تحقيق جنائي دقيق يضمن حقوق الضحية والمتهم.
تقييم نفسي واجتماعي شامل للطفل القاتل.
عقوبة مناسبة لعمره، لكنها حازمة، داخل مؤسسة تأهيلية مغلقة تضمن حماية الآخرين.
متابعة حقيقية لا تنتهي بخروج الحدث من المؤسسة، بل تمتد لتقييم سلوكه وإعادة دمجه إنسانيًا.
ما وراء الجريمة
الطفل الذي يقتل ليس دائمًا شيطانًا، لكنه بالتأكيد ضحية مجتمعٍ مهتزّ القيم.
ضحية لبيئة غابت عنها الرقابة الأسرية، وتراجع فيها التعليم، واحتلت فيها الشاشات عقول الصغار بدلًا من الحكايات والأحلام.
وما لم نواجه جذور هذا الانحدار التربوي والنفسي، فسنصحو كل يوم على مأساة جديدة عنوانها:
“طفل يقتل… ولا نعرف من القاتل الحقيقي: هو أم المجتمع؟”
في النهاية
لا نطلب الإعدام بدافع الغضب، ولا نبرّر الجريمة باسم الحداثة.
لكننا نطالب بالعدالة التي تحمي الصغار من أنفسهم، وتحمي المجتمع من مستقبلٍ أكثر ظلمة.
فحين يقتل طفل، لا تُدان روحٌ واحدة فقط — بل تُدان أمة بأكملها تخلّت عن واجبها في التربية، والرحمة، والوعي.
إننا أمام جرس إنذارٍ حقيقي، يفرض على المجتمع أن يعيد النظر في أساليب التنشئة، ومناهج التعليم، والرقابة على المحتوى الذي يغذي العنف في عقول الصغار.
ولابد أن يُطرح سؤال أكثر جرأة:
هل الرأفة في مثل هذه الجرائم نوع من العدل… أم مشاركة في خلق جيلٍ بلا ضمير؟

