حين أمطرت سحابة الذكاء الصناعي سيول المعرفة: من سؤال الباحث إلى استنتاجات الآلة
✍️ بقلم: د. محمد متولي
القاهرة – نوفمبر 2025
عندما كنتُ في إحدى الزيارات عام 2010 لمدينة شينزن الصينية، تجولتُ في “مول التكنولوجيا” الذي بدا لي كأنه معبدٌ للحداثة. دخلت مقرّ إحدى الشركات لأناقشهم حول برمجة أوامر إحدى الشرائح الإلكترونية. وكعادتي، أردت أن أشرح فكرتي بالورقة والقلم. تعجّب الجميع! راحت المساعدة التي ترافقني تفتش في المكان حتى عثرت أخيرًا على قصاصةٍ كرتونية صغيرة من غلاف منتج. لم يكن في المكان ورق، ولا ذلك الشيء العجيب المسمّى قلمًا. بدا الأمر من عجائب القدر وكأنني أبحث عن قرصٍ مرن من تسعينات القرن الماضي. عندها أدركت أن العالم بدأ يخلع ثوب المعرفة الورقية، وأن القلم الذي كان رمز الوعي صار غريبًا في بيت التقنية.
في حياتي لم أنسَ كلمات أبي – رحمه الله – وهو يقول:
«أضعفُ حبرٍ أقوى من أقوى ذاكرة.»
اليوم جفّ الحبر، ولم يبقَ من أثره سوى صدى الذاكرة.
ويبدو أن سيول الذكاء الصناعي قد عادت، ولكن في هيئةٍ أخرى؛ عادت لتزاحم الباحثين من بني البشر، لتُنحّي الأصل وتنمّي الفرع، وتحوّل الفرع إلى أصلٍ جديدٍ في عالم الإدراك.
لم يكن أحدٌ يتصوّر أن لحظةَ انحناءِ الباحث أمام شاشةٍ مضيئة ستُسدل الستار على قرونٍ من مركزية الإنسان في إنتاج المعرفة. كنا نعتقد أن الذكاء الاصطناعي مجرد أداةٍ في يد الباحث، تُسعف الذاكرة وتُيسّر التحليل، لكنه لم يكن ليتجاوز عتبة السؤال البشري.
غير أن عامي 2024 و2025 شهدا نقطة انعطافٍ حاسمة، حين بدأ الذكاء الاصطناعي لا يجيب عن الأسئلة فحسب، بل يصنعها، ويعيد تعريف جوهر البحث العلمي ذاته.
فقد دشّنت جامعات ومختبرات مثل ستانفورد، MIT، PNNL، ومؤسسة AllenAI مرحلةً جديدة في تاريخ العلم، أسموها Agentic Science — لم يعد الذكاء الاصطناعي فيها مُساعدًا أو محللًا، بل تحوّل إلى وكيلٍ علميٍّ مستقل قادر على تخطيط التجربة وجمع البيانات وتفسير النتائج وصياغة الورقة البحثية دون تدخّل بشري.
وأعلن فريق Yamada et al. (2025) عن النظام المعروف باسم AI Scientist-v2، وهو أول نموذجٍ يقوم بنشر ورقةٍ علمية أصلية بالكامل من إنتاجه الذاتي.
ما حدث لم يكن مجرد تطورٍ تقني، بل انقلاب في مفهوم الباحث نفسه.
فالعلم — كما عرفناه — كان يبدأ من إنسانٍ يشكّ، ثم يصوغ فرضيةً ويسعى لإثباتها.
أما اليوم، فإن السؤال ذاته أصبح يُولد من خوارزمية تتغذى على ملايين الأوراق السابقة لتُنتج فرضيةً جديدة، ربما لم تخطر على بال بشر.
أليست هذه — بحق — بداية ما يمكن تسميته الإدراك العلمي الاصطناعي؟
وهنا يطلّ السؤال الفلسفي من جديد:
من صاحب القرار؟ هل الذكاء يكتشف حقًا أم يكتفي بـ “تقليد الاكتشاف”؟
لقد أثبتت التجارب في مختبرات الصين (Li et al., 2025) وأمريكا (Berkeley Lab, 2025) أن الأنظمة الذاتية في الكيمياء والفيزياء استطاعت الوصول إلى مواد جديدة لم يتنبأ بها أيّ عالمٍ سابق.
ومع ذلك، يظل الإنسان حائرًا بين دهشة الإنجاز وخوف الإقصاء؛ فبينما يَعِدُ الذكاء الاصطناعي بفتح آفاقٍ بحثيةٍ كانت خارج مدار الإدراك البشري، فإنه يُهدد في الوقت ذاته بتقليص دور الإنسان من “صانع معرفة” إلى “مُصادق عليها”.
إن ما يُميز هذه المرحلة ليس تسارع التطور التقني فحسب، بل تحوّل مركز الثقل المعرفي من العقل البشري إلى العقل الشبكي.
فعندما يصبح نظام مثل Kosmos-2 قادرًا على الربط بين النص والصورة والرمز والمعادلة في بنيةٍ واحدةٍ من الفهم المتكامل، فنحن أمام ولادة نوعٍ جديد من الإدراك، لا هو آليّ تمامًا ولا بشريّ خالص، بل وعيٌ هجين ينشأ في المسافة بين المعادلة والإلهام.
ومع هذا التحوّل، تتغير وظيفة الباحث.
فبدل أن يكون “منفذًا” للمنهج، أصبح “موجّهًا” للآلة التي تُدير البحث. بات عليه أن يُعيد تعريف القيم الأكاديمية ذاتها:
• ماذا تعني الأصالة؟
• وما حدود السرقة العلمية إذا كان المقتبس آلة؟
• وكيف نحافظ على أخلاقيات البحث حين يكون زميلنا في المختبر نظامًا ذكيًا لا ينام؟
لقد أظهرت دراسات Wei et al. (2025) وGhareeb et al. (2025) أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد مُنفّذٍ للتجارب، بل أصبح يطوّر فرضياتٍ بديلة بناءً على نتائج الفشل التجريبي، ويُعيد تصميم البحث من تلقاء نفسه.
إنها نقلة من الذكاء التوليدي (Generative AI) إلى الذكاء العامل (Agent AI)، بل إلى ما يمكن وصفه اليوم بـ العالِم الاصطناعي (Scientist AI).
غير أن هذه القفزة لم تمر دون ارتباكٍ معرفي وأخلاقي.
فهل يحقّ للآلة أن تُدرج كمؤلفٍ مشاركٍ في ورقةٍ علمية؟
ومن يُحاسبها إن تلاعبت بالبيانات أو انحازت لتفضيلاتٍ خوارزمية؟
لقد نبّه تقرير MIT FutureHouse (2025) إلى خطورة الاعتماد المفرط دون شفافيةٍ تفسيرية، داعيًا إلى ما سُمي بـ الحوكمة التفسيرية للذكاء الاصطناعي العلمي — إطارٍ أخلاقي وتشريعي يحافظ على إنسانية القرار العلمي ويضمن أن يظل الإنسان مرجع الوعي والضمير.
هكذا، بين إعجاز التقنية وقلق المعنى،
نجد أنفسنا أمام سؤالٍ لم يُطرحه التاريخ من قبل:
هل نحن من نكتب العلم… أم أن العلم بدأ يُعيد كتابتنا؟ وكأن الباحث الجديد كائن فضائي أتى من بعد آخر ليشاركنا موارد المعرفة.
إن الذكاء الاصطناعي اليوم لا يكتب فقط نتائجنا،
بل يُعيد صياغة علاقتنا بالحقيقة،
ويجعل من الباحث والآلة كائنين يتقاسمان فعل الإبداع ذاته.
كنا فيما مضى، حين نخطّ خطابًا رسميًا، نفتتحه بعبارةٍ تفيض هيبةً وسكينة:
«بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد…».
كانت تلك الكلمات تجسر بين المقدمات والنتائج، بين القول والفعل، بين الحرف والنية.
أمّا اليوم، فأقف حائرًا؛ لا أعرف ماذا بعد، ولا كيف سيكون شكل البعد الذي يلي البعد.
وهنا أدركني قوله تعالى:
﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ (النساء: 166).
إن هذه الآية تذكّرنا أن العلم في جوهره تنزيل بعلم الله، وأن كل ما يبدعه الإنسان من أدوات، من القلم إلى الخوارزمية، ومن الورق إلى الذكاء الاصطناعي، ليس إلا فرعًا من أصلٍ إلهي مسخّر له. فمهما بلغ الذكاء الاصطناعي من قدرة على توليد الفرضيات وصياغة الأبحاث، يظل علم البشر محدودًا أمام علم الله المطلق. وهنا تكمن الحكمة: أن نُحسن استخدام هذه الأدوات دون أن نغتر بها، وأن نُبقي الإنسان شاهدًا وضميرًا على المعرفة، حتى لا تتحول التقنية من وسيلةٍ إلى غاية، ومن خادمٍ إلى سيد.
قائمة المراجع
• Wei, J., et al. (2025). From AI for Science to Agentic Science: A Survey on Autonomous Scientific Discovery. arXiv.
• Yamada, T., et al. (2025). The AI Scientist-v2: Workshop-Level Automated Scientific Discovery via Agentic Tree Search. arXiv.
• Ghareeb, M., et al. (2025). Robin: A Multi-Agent System for Automating Scientific Discovery. arXiv.
• Li, X., et al. (2025). Autonomous Laboratories in China: Embodied Intelligence-Driven Platforms to Accelerate Chemical Discovery. MSE News.
• Berkeley Lab. (2025). Harnessing Artificial Intelligence for High-Impact Science. NewsCenter.lbl.gov.
• MIT News. (2025). FutureHouse Accelerates Scientific Discovery with AI. MIT News.
• Allen Institute for AI. (2025). AutoDS: A Protothttps://mersalnews.com/?p=49511محافظ الشرقية يُؤدي صلاة الجنازة ويشهد تشييع الجثمان ويقدم واجب العزاء في وفاة رئيس مركز ومدينة ديرب نجم •
🔹متابعة/ أحمد البشلاوي:
قام المهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية بأداء صلاة الجنازة على الأستاذ صلاح سالم رئيس مركز ومدينة ديرب نجم ، وذلك بمسقط رأسه بقرية بني أيوب التابعة لرئاسة مركز ومدينة أبو حماد.
كما شهد محافظ الشرقية تشييع جثمان الفقيد الكريم وقدم واجب العزاء والمواساة لأسرته داعياً المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته وللأسرة خالص العزاء والصبر والسلوان.
أكد محافظ الشرقية أن الفقيد الكريم كان مثالاً يحتذى به في العمل والنشاط والمتابعة المستمرة وتنفيذ المهام المُكلف بها على أكمل وجه خلال رحلة عمله وعطاءه داخل أروقة الجهاز التنفيذي بمحافظة الشرقية وكان يتمتع بسيرة طيبة بين زملائه، مشيرًا إلى أن المحافظة فقدت أحد أبنائها المخلصين الذين قدموا الكثير في خدمة المواطنين.
ومن جانبها أعربت أسرة الراحل الكريم عن تقديرها لمحافظ الشرقية لحرصه على تقديم واجب العزاء والمواساة لهم في وفاه فقيدهم الكريم.
رافق المحافظ في تأدية واجب العزاء الأستاذ الدكتور أحمد عبد المعطي والمهندسة لبني عبد العزيز نائبي المحافظ واللواء عبد الغفار الديب سكرتير عام المحافظة والأستاذ محمد كُجَك السكرتير العام المساعد للمحافظة والعميد أ.ح أحمد شعبان المستشار العسكري للمحافظة وعدد من القيادات التنفيذية ورؤساء المراكز والمدن والاحياء ومديري الادارات العامة والنوعية بالديوان العام ونواب البرلمان .ype Engine for Autonomous, Open-Ended Scientific Discovery. AllenAI Blog.

